فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ}.
ذكر الأصول الثلاثة في هذه الآية بعد ما سبق منه تقريرها بالدلائل فقوله: {أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ} إشارة إلى التوحيد وقوله: {مَا بِصَاحِبِكُمْ مّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ} إشارة إلى الرسالة وقوله: {بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} إشارة إلى اليوم الآخر وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
قوله: {إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بواحدة} يقتضي أن لا يكون إلا بالتوحيد، والإيمان لا يتم إلا بالاعتراف بالرسالة والحشر، فكيف يصح الحصر المذكور بقوله: {إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بواحدة} فنقول التوحيد هو المقصود ومن وحد الله حق التوحيد يشرح الله صدره ويرفع في الآخرة قدره فالنبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بما يفتح عليهم أبواب العبادات ويهيء لهم أسباب السعادات، وجواب آخر وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم ما قال إني لا آمركم في جميع عمري إلا بشيء واحد، وإنما قال أعظكم أولًا بالتوحيد ولا آمركم في أول الأمر بغيره لأنه سابق على الكل ويدل عليه قوله تعالى: {ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ} فإن التفكر أيضًا صار مأمورًا به وموعوظًا.
المسألة الثانية:
قوله: {بواحدة} قال المفسرون أنثها على أنها صفة خصلة أي أعظكم بخصلة واحدة، ويحتمل أن يقال المراد حسنة واحدة لأن التوحيد حسنة وإحسان وقد ذكرنا في قوله تعالى: {إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان} [النحل: 29] أن العدل نفي الإلهية عن غير الله والإحسان إثبات الإلهية له، وقيل في تفسير قوله تعالى: {هَلْ جَزَاء الإحسان إِلاَّ الإحسان} [الرحمن: 60] أن المراد هل جزاء الإيمان إلا الجنان، وكذلك يدل عليه قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مّمَّن دَعَا إِلَى الله} [فصلت: 33].
المسألة الثالثة:
قوله: {مثنى وفرادى} إشارة إلى جميع الأحوال فإن الإنسان إما أن يكون مع غيره أو يكون وحده، فإذا كان مع غيره دخل في قوله: {مثنى} وإذا كان وحده دخل في قوله: {فرادى} فكأنه يقول تقوموا لله مجتمعين ومنفردين لا تمنعكم الجمعية من ذكر الله ولا يحوجكم الانفراد إلى معين يعينكم على ذكر الله.
المسألة الرابعة:
قوله: {ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ} يعني اعترفوا بما هو الأصل والتوحيد ولا حاجة فيه إلى تفكر ونظر بعد ما بان وظهر، ثم تتفكروا فيما أقول بعده من الرسالة والحشر، فإنه يحتاج إلى تفكر، وكلمة ثم تفيد ما ذكرنا، فإنه قال: {أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ} ثم بين ما يتفكرون فيه وهو أمر النبي عليه السلام فقال: {مَا بِصَاحِبِكُمْ مّن جِنَّةٍ}.
المسألة الخامسة:
قوله: {مَا بِصَاحِبِكُمْ مّن جِنَّةٍ} يفيد كونه رسولًا وإن كان لا يلزم في كل من لا يكون به جنة أن يكون رسولًا، وذلك لأن النبي عليه السلام كان يظهر منه أشياء لا تكون مقدورة للبشر وغير البشر ممن تظهر منه العجائب إما الجن أو الملك، وإذا لم يكن الصادر من النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة الجن يكون بواسطة الملك أو بقدرة الله تعالى من غير واسطة، وعلى التقديرين فهو رسول الله، وهذا من أحسن الطرق، وهو أن يثبت الصفة التي هي أشرف الصفات في البشر بنفي أخس الصفات، فإنه لو قال أولًا هو رسول الله كانوا يقولون فيه النزاع، فإذا قال ما هو مجنون لم يسعهم إنكار ذلك لعلمهم بعلو شأنه وحاله في قوة لسانه وبيانه فإذا ساعدوا على ذلك لزمتهم المسألة.
ولهذا قال بعده {إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ} يعني إما هو به جنة أو هو رسول لكن تبين أنه ليس به جنة فهو نذير.
المسألة السادسة:
قوله: {بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} إشارة إلى قرب العذاب كأنه قال ينذركم بعذاب حاضر يمسكم عن قريب بين يدي العذاب أي سوف يأتي العذاب بعده.
{قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47)}.
لما ذكر أنه ما به جنة ليلزم منه كونه نبيًا ذكر وجهًا آخر يلزم منه أنه نبي إذا لم يكن مجنونًا لأن من يرتكب العناء الشديد لا لغرض عاجل إذا لم يكن ذلك فيه ثواب أخروي يكون مجنونًا، فالنبي عليه السلام بدعواه النبوة يجعل نفسه عرضة للهلاك عاجلًا، فإن كل أحد يقصده ويعاديه ولا يطلب أجرًا في الدنيا فهو يفعله للآخرة، والكاذب في الآخرة معذب لا مثاب، فلو كان كاذبًا لكان مجنونًا لكنه ليس بمجنون فليس بكاذب، فهو نبي صادق وقوله: {وَهُوَ على كُلّ شيء شَهِيدٍ} تقرير آخر للرسالة وذلك لأن الرسالة لا تثبت إلا بالدعوى والبينة، بأن يدعي شخص النبوة ويظهر الله له المعجزة فهي بينة شاهدة والتصديق بالفعل يقوم مقام التصديق بالقول في إفادة العلم بدليل أن من قال لقوم إني مرسل من هذا الملك إليكم ألزمكم قبول قولي والملك حاضر ناظر، ثم قال للملك أيها الملك إن كنت أنا رسولك إليهم فقل لهم إني رسولك فإذا قال إنه رسولي إليكم لا يبقى فيه شك كذلك إذا قال يا أيها الملك إن كنت أنا رسولك إليهم فألبسني قباءك فلو ألبسه قباءه في عقب كلامه يجزم الناس بأنه رسوله، كذلك حال الرسول إذا قال الأنبياء لقومهم نحن رسل الله، ثم قالوا يا إلهنا إن كنا رسلك فأنطق هذه الحجارة أو أنشر هذا الميت ففعله حصل الجزم بأنه صدقه.
{قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48)}.
وفيه وجهان:
أحدهما: يقذف بالحق في قلوب المحقين، وعلى هذا الوجه للآية بما قبلها تعلق، وذلك من حيث إن الله تعالى لما بين رسالة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: {إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ} وأكده بقوله: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} وكان من عادة المشركين استبعاد تخصيص واحد من بينهم بإنزال الذكر عليه، كما قال تعالى عنهم: {أأنزل عَلَيْهِ الذكر مِن بَيْنِنَا بْل} [ص: 8] ذكر ما يصلح جوابًا لهم فقال: {قُلْ إِنَّ رَبّى يَقْذِفُ بالحق} أي في القلوب إشارة إلى أن الأمر بيده يفعل ما يريد ويعطي ما يشاء لمن يشاء.
ثم قال تعالى: {علام الغيوب} إشارة إلى جواب سؤال فاسد يذكر عليه وهو أن من يفعل شيئًا كما يريد من غير اختصاص محل الفعل بشيء لا يوجد في غيره لا يكون عالمًا وإنما فعل ذلك اتفاقًا، كما إذا أصاب السهم موضعًا دون غيره مع تسوية المواضع في المحاذاة فقال: {يَقْذِفُ بالحق} كيف يشاء وهو عالم بما يفعله وعالم بعواقب ما يفعله فهو يفعل ما يريد لا كما يفعله الهاجم الغافل عن العواقب إذ هو علام الغيوب الوجه الثاني: أن المراد منه هو أنه يقذف بالحق على الباطل كما قال في سورة الأنبياء: {بَلْ نَقْذِفُ بالحق عَلَى الباطل فَيَدْمَغُهُ} [الأنبياء: 18] وعلى هذا تعلق الآية بما قبلها أيضًا ظاهر وذلك من حيث إن براهين التوحيد لما ظهرت ودحضت شبههم قال: {قُلْ إِنَّ رَبّي يَقْذِفُ بالحق} أي على باطلكم، وقوله: {علام الغيوب} على هذا الوجه له معنى لطيف وهو أن البرهان الباهر المعقول الظاهر لم يقم إلا على التوحيد والرسالة، وأما الحشر فعلى وقوعه لا برهان غير إخبار الله تعالى عنه، وعن أحواله وأهواله، ولولا بيان الله بالقول لما بان لأحد بخلاف التوحيد والرسالة، فلما قال: {يَقْذِفُ بالحق} أي على الباطل، إشارة إلى ظهور البراهين على التوحيد والنبوة قال: {علام الغيوب} أي ما يخبره عن الغيب وهو قيام الساعة وأحوالها فهو لا خلف فيه فإن الله علام الغيوب، والآية تحتمل تفسيرًا آخر وهو أن يقال: {رَبّى يَقْذِفُ بالحق} أي ما يقذفه يقذفه بالحق لا بالباطل والباء على الوجهين الأولين متعلق بالمفعول به أي الحق مقذوف وعلى هذا الباء فيه كالباء في قوله: {وَقُضِىَ بَيْنَهُمْ بالحق} [الزمر: 69] وفي قوله: {فاحكم بَيْنَ الناس بالحق} [ص: 26] والمعنى على هذا الوجه هو أن الله تعالى قذف ما قذف في قلب الرسل وهو علام الغيوب يعلم ما في قلوبهم وما في قلوبكم.
{قُلْ جَاء الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (49)}.
لما ذكر الله أنه يقذف بالحق وكان ذلك بصيغة الاستقبال، ذكر أن ذلك الحق قد جاء وفيه وجوه أحدها: أنه القرآن الثاني: أنه بيان التوحيد والحشر وكل ما ظهر على لسان النبي صلى الله عليه وسلم الثالث: المعجزات الدالة على نبوة محمد عليه السلام، ويحتمل أن يكون المراد من {جَاء الحق} ظهر الحق لأن كل ما جاء فقد ظهر والباطل خلاف الحق، وقد بينا أن الحق هو الموجود، ولما كان ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم لم يمكن انتفاؤه كالتوحيد والرسالة والحشر، كان حقًا لا ينتفي، ولما كان ما يأتون به من الإشراك والتكذيب لا يمكن وجوده كان باطلًا لا يثبت، وهذا المعنى يفهم من قوله: {وَمَا يُبْدِىء الباطل} أي الباطل لا يفيد شيئًا في الأولى ولا في الآخرة فلا إمكان لوجوده أصلًا، والحق المأتي به لا عدم له أصلًا، وقيل المراد لا يبدىء الشيطان ولا يعيد، وفيه معنى لطيف وهو أن قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ رَبّى يَقْذِفُ بالحق} لما كان فيه معنى قوله تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بالحق عَلَى الباطل فَيَدْمَغُهُ} كان يقع لمتوهم أن الباطل كان فورد عليه الحق فأبطله ودمغه، فقال هاهنا ليس للباطل تحقق أولًا وآخرًا، وإنما المراد من قوله: {فَيَدْمَغُهُ} أي فيظهر بطلانه الذي لم يزل كذلك وإليه الإشارة بقوله تعالى في موضع آخر: {وَزَهَقَ الباطل إِنَّ الباطل كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81] يعني ليس أمرًا متجددًا زهوق الباطل، فقوله: {وَمَا يُبْدِىء الباطل} أي لا يثبت في الأول شيئًا خلاف الحق {وما يُعِيدُ} أي لا يعيد في الآخرة شيئًا خلاف الحق. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ}.
تمم الحجة على المشركين؛ أي قل لهم يا محمد: {إِنَّمَا أَعِظُكُمْ} أي أذكّركم وأحذّركم سوء عاقبة ما أنتم فيه.
{بِوَاحِدَةٍ} أي بكلمة واحدة مشتملة على جميع الكلام، تقتضي نفي الشرك وإثبات الإله.
قال مجاهد: هي لا إله إلا الله؛ وهذا قول ابن عباس والسّدي.
وعن مجاهد أيضًا: بطاعة الله.
وقيل: بالقرآن؛ لأنه يجمع كل المواعظ.
وقيل: تقديره بخصلة واحدة، ثم بينها بقوله: {أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مثنى وفرادى} فتكون أنْ في موضع خفض على البدل من {وَاحِدَة} أو في موضع رفع على إضمار مبتدأ، أي هي أن تقوموا.
ومذهب الزجاج أنها في موضع نصب بمعنى لأن تقوموا.
وهذا القيام معناه القيام إلى طلب الحق لا القيام الذي هو ضدّ القعود، وهو كما يقال: قام فلان بأمر كذا؛ أي لوجه الله والتقرب إليه.
وكما قال تعالى: {وَأَن تَقُومُواْ لليتامى بالقسط} [النساء: 127].
{مثنى وفرادى} أي وُحدانًا ومجتمعين؛ قاله السّديّ.
وقيل: منفردًا برأيه ومشاورًا لغيره، وهذا قول مأثور.
وقال القُتَبِيّ: مناظرًا مع غيره ومفكّرًا في نفسه، وكله متقارب.
ويحتمل رابعًا أن المَثْنَى عمل النهار والفرادى عمل الليل، لأنه في النهار معانٌ وفي الليل وحيد، قاله الماوردي.
وقيل: إنما قال: {مَثْنَى وَفُرَادَى} لأن الذهن حجة الله على العباد وهو العقل، فأوفرهم عقلًا أوفرهم حظًا من الله، فإذا كانوا فرادى كانت فكرة واحدة، وإذا كانوا مَثْنَى تقابل الذهنان فتراءى من العلم لهما ما أضعف على الانفراد؛ والله أعلم.
{ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ} الوقف عند أبي حاتم وابن الأنباري على {ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا}.
وقيل: ليس هو بوقف، لأن المعنى؛ ثم تتفكروا هل جرَّبتم على صاحبكم كذبًا، أو رأيتم فيه جنة، أو في أحواله من فساد، أو اختلف إلى أحد ممن يدّعي العلم بالسحر؛ أو تعلّم الأقاصيص وقرأ الكتب، أو عرفتموه بالطمع في أموالكم، أو تقدرون على معارضته في سورة واحدة؛ فإذا عرفتم بهذا الفكر صدقه فما بال هذه المعاندة.
{إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين} ورَهْطَكَ مِنهمْ المُخْلصِين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعِد الصَّفا فهتف: يا صباحاه؟ فقالوا: من هذا الذي يهتفا؟ قالوا: محمد؛ فاجتمعوا إليه فقال: «يا بني فلان يا بني فلان يا بني عبد مناف يا بني عبد المطلب فاجتمعوا إليه فقال أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلًا تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مُصَدِّقِيّ»؟ قالوا: ما جربنا عليك كذبا قال: «فإني نذير لكم بين يدي عذابٍ شديد».
قال فقال أبو لهب: تَبًّا لك! أمَا جمعتنا إلا لهذا؟ ثم قال فنزلت هذه السورة {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} كذا قرأ الأعمش إلى آخر السورة.
قوله تعالى: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ} أي جُعْل على تبليغ الرسالة {فَهُوَ لَكُمْ} أي ذلك الجُعْل لكم إن كنت سألتكموه {إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الله وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٍ} أي رقيب وعالم وحاضر لأعمالي وأعمالكم، لا يخفى عليه شيء فهو يجازي الجميع.
قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بالحق} أي يبيّن الحجة ويظهرها.
قال قتادة: بالحق بالوحي.
وعنه: الحق القرآن.
وقال ابن عباس: أي يقذف الباطل بالحق علامُ الغيوبِ.
وقرأ عيسى بن عمر {عَلاّمَ الغيوب} على أنه بدل، أي قل إن ربي علام الغيوب يقذف بالحق.
قال الزجاج: والرفع من وجهين على الموضع، لأن الموضع موضع رفع، أو على البدل مما في يقذف.
النحاس: وفي الرفع وجهان آخران: يكون خبرًا بعد خبر، ويكون على إضمار مبتدأ.
وزعم الفراء أن الرفع في مثل هذا أكثر في كلام العرب إذا أتى بعد خبر أن ومثله {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النار} [ص: 64] وقرىء: {الغُيوبُ} بالحركات الثلاث، فالغُيوب كالبيوت، والغَيوب كالصبور، وهو الأمر الذي غاب وخَفِيَ جدًّا.
قوله تعالى: {قُلْ جَاء الحق} قال سعيد عن قتادة: يريد القرآن.
النحاس: والتقدير جاء صاحب الحق؛ أي الكتاب الذي فيه البراهين والحجج.
{وَمَا يُبْدِىءُ الباطل} قال قتادة: الشيطان؛ أي ما يخلق الشيطان أحدًا.
{وَمَا يُعِيدُ} ف ما نَفْيٌ.
ويجوز أن يكون استفهامًا بمعنى أيّ شيء؛ أي جاء الحق فأيّ شيء بقي للباطل حتى يعيده ويبدئه؛ أي فلم يبق منه شيء، كقوله: {فَهَلْ ترى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ} [الحاقة: 8] أي لا ترى. اهـ.